لمطالعة إصدار (مال): الرياضة.. رافد جديد للاقتصاد أضغط هنا
منذ فترة وتحولت كرة القدم إلى منظومات ربحية تجلب الكثير من الأموال، ولكي تحقق أقصى استفادة، لا بد من إنشاء منظومة متكاملة للارتقاء بهذه الرياضة إلى ثلاثة أشياء مهمة، هي دليل النجاح: التنافسية القوية، والربح المالي، والانتشار الجماهيري، وهو وقود النجاح.
هناك منظومات ونماذج كثيرة في عالم كرة القدم، ولكن قبل اختيارك لأي نموذج لا بد أن تعلم القاعدة الأساسية، وهي أن كل النماذج صالحة للتطبيق، لكن بشرطين: أن تختار النموذج المناسب لبلدك وجمهورك، والشرط الآخر والمهم هو صياغة قوانين تخدم هذا النموذج والعمل على تطبيقها بحرفية كبيرة. إن لم تفعل ذلك، فستصبح كل النماذج فاشلة ولن تنجح.
أهم هذه النماذج هو التخصيص الرياضي، سواء كلي أو جزئي، وتعد إنجلترا من أهم البلدان التي نجح معها هذا النموذج، لكنها بذلت مجهودًا ضخمًا لكي تُنتج لنا الدوري الأقوى في العالم من حيث التنافسية، وأيضًا الجماهيرية، والأهم العوائد المادية، حيث بِيعَ حق البث بمبلغ 6.7 مليار جنيه إسترليني بداية من موسم 2025 وحتى أربع سنوات. هذه هي قيمة البث الخارجي بزيادة عن العقد الذي سينتهي هذا الموسم بمقدار 1.7 مليار جنيه إسترليني، أما البث الداخلي، ووفقًا للعقد الحالي، فيصل إلى 5 مليارات جنيه إسترليني، ومتوقع أن يزيد عن ذلك في القادم.
ووفقًا لنظام توزيع أرباح البث، فإن كل نادٍ في الدوري الإنجليزي، ووفقًا للموسم الماضي، يحصل على 88.6 مليون جنيه إسترليني، بغض النظر عن مركزه، سواء الأخير أو الأول، وقد يصل إجمالي أرباح الفائز بالدوري إلى أكثر من 150 مليون جنيه إسترليني كما في عام 2020.
ويحصل الصاعد من التشامبيونشب، البطولة المؤهلة للدوري الإنجليزي الممتاز، إلى 100 مليون من حقوق البث، و100 مليون دعم. وإن استمر سنة في الدوري، يحصل على 100 مليون أخرى، لتكون مباراة الصعود للدوري الإنجليزي هي أغلى مباراة في العالم، وهذا يبين حجم الأموال والاستثمار في هذا الدوري.
هناك أندية كثيرة ذهبت للتخصيص في الدوري الإنجليزي، منها مانشستر يونايتد، ملك آل جليزر، الذي قام بشراء اليونايتد بإجمالي 800 مليون جنيه إسترليني، وتبلغ قيمته الآن أكثر من 5 مليارات.
ولكن النموذج الأكبر أيضًا هو تخصيص مانشستر سيتي، الذي استحوذت عليه الإمارات العربية، عندما قام الشيخ منصور بشراء النادي مقابل 400 مليون، وذلك عام 2008، وهي نفس القيمة التي ربحها عندما باع 13% فقط إلى شركة صينية في عام 2015 بمبلغ 400 مليون دولار.
فخلال 7 سنوات الأولى، وصلت قيمة النادي إلى قرب 3 مليارات، وأصبح أكثر ربحية، حيث وصلت إيراداته عام 2022/2023 إلى 888 مليون دولار، بزيادة 124 مليون عن العام السابق، وتضاعفت أرباحه إلى 100 مليون دولار، مانشستر سيتي تصدر القائمة الصادرة عن شركة ديلويت المتخصصة في مجال التدقيقات المالية لعام 2023 في إيرادات البث التلفزيوني التي بلغت حوالي 374 مليون دولار، والتي رفع قيمتها نجاح النادي علي المستوي الأوروبي.
وارتفعت قيمة الأجور في النادي من 87 مليون دولار تقريبا إلى527 مليونًا تقريبا، وحقق أرباحًا قاربَت 152 مليونًا من صفقات تبادل اللاعبين مع الأندية. والآن، مانشستر سيتي، وفقًا لفوربس، تصل قيمته السوقية إلى 1.19 مليار يورو في عام 2024، وهو من أكبر خمسة أندية في العالم، أما قيمته ككل في حالة بيعه، ووفقًا لشبكة “استاتيستا” للإحصائيات، فتصل إلى 5.1 مليار دولار أمريكي، كل هذا يوضح حجم الاستثمار الذي يحصل عليه ملاك مانشستر سيتي من هذا الاستثمار والتخصيص.
ولكن ما كان هذا ليحصل لولا قوانين صارمة تُطبَّق على كل الأندية في الدوري الإنجليزي، وأرباح بث تلفزيوني تُوزَّع على الجميع وفقًا للمنظومة، واستثمار يتم في أندية جماهيرية، لأنه كما ذكرنا، الجماهير هم الوقود ومصدر إنجاح أي تخصيص، لأن كرة القدم في المقام الأول تعتمد على الجماهير التي بدونها لن تأتي كل هذه الأرباح.
وأيضًا القائمين على تنظيم مثل هذه البطولة التي تُعد الأقوى في العالم، وتساهم مباشرة بأكثر من 4 مليارات و200 مليون دولار في الخزانة مقابل ضرائب على الأندية واللاعبين، وتساهم بأكثر من 9 مليارات و700 مليون دولار في الناتج القومي، هكذا تكون النماذج الناجحة التي تحقق الربح والمنافسة والجماهيرية.
تستطيع أي منظومة أن تنفذ هذا النموذج، ولكن بشرط أن تمتلك القدرة والرغبة وتوفر مناخًا حقيقيًا يشجع المستثمرين على القدوم والدخول بقوة في هذا التخصيص، وعلى الدولة والمنظومة المراقبة والحفاظ على نزاهة المنافسة من خلال قوانين اللعب المالي النظيف، وإرساء مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع.