في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، دخلت الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي “دونالد ترمب” حيز التنفيذ يوم الثلاثاء 4 مارس 2025، حيث شملت رسوماً بنسبة 25% على الواردات من المكسيك وكندا، ورفع الرسوم على السلع الصينية من 10% إلى 20%. هذه السياسة، التي تهدف إلى معاقبة الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة بسبب قضايا مثل تدفق الفنتانيل (مخدر قوي يُسبب أزمة وفيات في أمريكا) والمهاجرين غير الشرعيين، أشعلت فتيل صراع تجاري جديد قد يترك آثاراً عميقة على الاقتصاد الأمريكي والعالمي على حد سواء، مع احتمال توسيع نطاق هذه الإجراءات لتشمل دولاً أخرى في المستقبل.
في الداخل الأمريكي، يُتوقع أن تؤدي هذه الرسوم إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار السلع المستوردة، خاصة تلك القادمة من المكسيك وكندا، والتي تشكل أكثر من 900 مليار دولار من الواردات السنوية إلى الولايات المتحدة. منتجات مثل السيارات، المنتجات الزراعية، ومواد البناء كالخشب ستشهد زيادة في التكاليف، مما قد يرفع معدل التضخم. تقديرات تشير إلى أن الأسرة الأمريكية المتوسطة قد تتحمل تكاليف إضافية تتراوح بين 800 و3000 دولار سنوياً، حسب مدى تأثير الشركات في تمرير هذه الزيادات إلى المستهلكين.
تصريحات “ترمب”، التي أكد فيها أن الشركات الأجنبية يجب أن تبني مصانعها داخل الولايات المتحدة لتجنب الرسوم، قد تحفز بعض الاستثمارات المحلية، لكن هذا التحول يحتاج إلى سنوات واستثمارات ضخمة، مما يعني أن الضرر قصير المدى قد يتجاوز الفوائد المستقبلية، خاصة مع ارتباط هذه السياسة بأهداف مثل وقف تدفق الفنتانيل، الذي تسبب في أكثر من 70 ألف وفاة في 2023 وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض.
الرسوم الجمركية الجديدة قد تحقق هذا الهدف بالضغط على الشركاء التجاريين لاتخاذ إجراءات صارمة، لكنها تحمل مخاطر كبيرة على الاقتصاد الأمريكي من حيث التضخم وتعطيل سلاسل التوريد. الأسواق المالية الأمريكية تلقت بالفعل ضربة مباشرة، حيث تسببت تعليقات “ترمب” يوم الإثنين 3 مارس 2025 في هبوط حاد في الأسهم، مع انخفاض مؤشر S&P 500 بنسبة 1.76%، هو مؤشر سوقي يُعدّ أحد أبرز المؤشرات الاقتصادية في الولايات المتحدة والعالم. يتتبع أداء أسهم 500 شركة أمريكية كبرى مدرجة في بورصتي نيويورك وناسداك، ويُعتبر مقياساً رئيسياً لصحة الاقتصاد الأمريكي وقطاع الأعمال فيه.
تشمل هذه الشركات عمالقة مثل “آبل”، “مايكروسوفت”، “أمازون”، و”تسلا”، وتمثل مختلف القطاعات كالتكنولوجيا، المالية، الرعاية الصحية، والطاقة، وتراجع عوائد السندات الحكومية، مما يعكس مخاوف المستثمرين من تصاعد التوترات التجارية. كما أن ردود الفعل المحتملة من كندا والمكسيك، مثل فرض رسوم مقابلة على ما يقارب 155 مليار دولار من الصادرات الأمريكية، قد تعرض أكثر من 17 مليون وظيفة أمريكية للخطر، خاصة في قطاعات الزراعة والتصنيع. هذا الوضع قد يقلص الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة تتراوح بين 0.25% و1.3% على المدى المتوسط، مما يعني خسارة اقتصادية محتملة تصل إلى 75 مليار دولار إذا استمر التصعيد.
على المستوى العالمي، تهدد هذه السياسة بإشعال حرب تجارية تضر الجميع. كندا والمكسيك، اللتان تعتمدان بشكل كبير على السوق الأمريكية (67% و73% من ناتجهما المحلي مرتبط بالتجارة)، قد تواجهان ركوداً اقتصادياً. تقديرات تشير إلى تراجع نموهما بنسبة 1.15-3% إذا فرضتا رسوماً مقابلة، مع تراجع الصادرات إلى الولايات المتحدة بنسبة 9-43%.
انخفاض قيمة البيزو المكسيكي والدولار الكندي يعكس هذا الضغط بالفعل، مما سيرفع تكاليف الواردات ويؤثر على المواطنين في هذين البلدين. بالنسبة للصين، التي ارتفعت الرسوم ضدها إلى 20%، قد يتقلص وجودها في السوق الأمريكية من 14% إلى أقل من 3%، مما يضر اقتصادها المعتمد على التصدير بنسبة 37% من الناتج المحلي.
ردود الفعل الصينية، مثل خفض قيمة الليوان أو تقييد تصدير المعادن النادرة، قد تعطل سلاسل التوريد العالمية، خاصة في مجال التكنولوجيا، مما يؤثر على الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء. كما أن تصعيد النزاع عبر منظمة التجارة العالمية قد يهدد استقرار النظام التجاري العالمي.
الأسواق العالمية بدأت تشعر بالهزة، مع موجة بيع في الأسهم وتراجع الثقة نتيجة عدم اليقين. بعض الدول مثل البرازيل والاتحاد الأوروبي قد تستفيد مؤقتاً كبدائل للواردات الأمريكية، لكن التأثير الأوسع قد يؤدي إلى تباطؤ النمو العالمي بنسبة 0.5-1.4% إذا استمرت الحرب التجارية. ارتفاع أسعار السلع الأساسية مثل النفط والفولاذ، التي تعتمد عليها الاقتصادات النامية، سيضيف ضغوطاً إضافية على هذه الدول.
لكن الدول الأخرى التي قد تُشملها قرارات “ترامب” الاقتصادية المستقبلية تضيف بُعداً إضافياً لهذا الوضع. الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، قد تكون الأقرب للاستهداف بسبب فائضها التجاري مع الولايات المتحدة البالغ 11.4 مليار دولار في نوفمبر 2024، خاصة في قطاع السيارات، حيث هدد “ترامب” سابقاً بفرض رسوم عليها. اليابان وكوريا الجنوبية، بفوائض تجارية تبلغ 70 مليار دولار و30 مليار دولار على التوالي، قد تواجهان رسوماً على السيارات والإلكترونيات إذا اعتبر “ترامب” اتفاقياتهما التجارية غير عادلة. الهند، بفائض تجاري يقارب 30 مليار دولار، والفيتنام، التي صدرت 117 مليار دولار في 2023، قد تُستهدفان بسبب نمو صادراتهما السريع في الأدوية والمنسوجات والإلكترونيات. البرازيل وأستراليا، كمورّدين للمواد الخام، قد تُشملهما قرارات إذا رأى “ترامب” تهديداً للصناعات المحلية، بينما قد تواجه بنما ضغوطاً اقتصادية مرتبطة بقناة بنما. الدول المصدرة للنفط كالسعودية والإمارات قد تظل بمنأى نسبياً بسبب اعتماد أمريكا على نفطهما، لكن دول أمريكا اللاتينية مثل كولومبيا قد تُستهدف إذا رُبطت الرسوم بمكافحة المخدرات.
الرسوم الجمركية الجديدة قد تحقق أهداف “ترمب” في الضغط على الشركاء التجاريين لمعالجة قضايا مثل الفنتانيل، لكنها تحمل مخاطر كبيرة على الاقتصاد الأمريكي من حيث التضخم وتعطيل سلاسل التوريد. عالمياً، تهدد هذه السياسة بإشعال حرب تجارية تضر الجميع، من كندا والمكسيك إلى الصين، مع احتمال توسعها لتشمل دولاً أخرى كأوروبا واليابان والهند. في ظل هذا الوضع، يبقى الحذر ضرورياً للدول الأخرى، خاصة العربية والخليجية، لتجنب الانجرار إلى هذا الصراع حتى تتضح نتائج هذه السياسات الجريئة والمثيرة للجدل.