يعيش سكان قطاع غزة واحدة من أصعب الأزمات الإنسانية والاقتصادية في تاريخهم، مع استمرار الحصار الإسرائيلي وإغلاق المعابر، مما أدى إلى تفاقم أزمة الغلاء الفاحش، وانهيار القدرة الشرائية، وارتفاع البطالة لأكثر من 90% وفق التقديرات الفلسطينية.
وعلى الرغم من محاولات المؤسسات المحلية في غزة ضبط الأسعار، إلا أن الأسواق شهدت انفلاتًا غير مسبوق، وسط اتهامات بانتشار الاحتكار والاستغلال، في وقت تؤكد فيه التقارير الأممية أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت لأكثر من 100 ضعف، بينما تزداد المخاوف من مجاعة وشيكة تهدد السكان.
إغلاق المعابر.. خنق اقتصادي ومجاعة تلوح في الأفق
مطلع الأسبوع الماضي، شددت إسرائيل حصارها على القطاع وأغلقت جميع المعابر، مانعةً دخول المساعدات الإنسانية والوقود والمواد الغذائية، ما زاد من تفاقم الأزمة الإنسانية، في وقت تمنع فيه منذ أكتوبر 2023 دخول البضائع التجارية، مكتفية بتدفق محدود للمساعدات في إطار اتفاقات مؤقتة.
وبحسب تقارير عبرية، فإن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار سمحت بإدخال كميات من المساعدات تكفي غزة لخمسة أشهر، لكن الواقع على الأرض يفند هذه المزاعم، حيث تؤكد الأمم المتحدة أن المخزون الغذائي بدأ بالنفاد، والاحتياجات تتضاعف يومًا بعد يوم.
شهادات من داخل غزة.. الجوع والخوف يتصاعدان
في ظل هذا الوضع الكارثي، يحكي فريد ضهير، وهو رب أسرة من غزة، عن معاناته في توفير الطعام لعائلته المكونة من 13 فردًا.
وقال ضهير: "حتى خلال فترات عمل المعابر كانت الأسعار مرتفعة جدًا، لكن الإغلاق الأخير جعل الوضع أكثر مأساوية. لم نعد قادرين على تأمين الطعام الأساسي، ووجباتنا تقلصت لأدنى المستويات بسبب الغلاء الفاحش".
أما محمد جبر، وهو أحد الباعة في غزة، فيؤكد أن التجار الكبار استغلوا الأزمة لتعميق معاناة السكان، قائلًا: "بمجرد إغلاق المعابر، بدأ كبار التجار بتخزين البضائع ورفع الأسعار بشكل جنوني، متعمدين بيع كميات محدودة للحفاظ على الأسعار المرتفعة".
وأشار إلى أن الجهات المختصة في غزة تلاحق صغار التجار، فيما لا يتم اتخاذ إجراءات صارمة ضد الاحتكار الذي يديره كبار التجار، مما يزيد من الأعباء على المواطنين الذين بالكاد يستطيعون تأمين احتياجاتهم الأساسية.
الاقتصاد الغزي في انهيار تام.. وطبقة جديدة من المحتكرين
يرى الخبير الاقتصادي حامد جاد أن الحرب والإغلاق أدت إلى انهيار النظام الاقتصادي في غزة بالكامل، ما تسبب في فوضى في الأسواق وانتشار الاحتكار.
وقال جاد: "الإغلاق الإسرائيلي زاد من معاناة السكان ووضعهم على حافة المجاعة، لكن الأخطر هو حالة الجشع التي يمارسها بعض التجار المحتكرين، حيث يستغلون حاجة المواطنين للبضائع لتحقيق مكاسب ضخمة".
وأشار إلى أن السلع التي يسمح الاحتلال بإدخالها أساسية جدًا، ولا تتضمن أي كماليات، مما يزيد من الطلب عليها ويفتح الباب أمام التلاعب بالأسعار.
وأضاف: "رغم محاولات الجهات المسؤولة في غزة ضبط الأسواق، إلا أن الإجراءات تستهدف صغار التجار فقط، بينما يظل كبار المحتكرين بمنأى عن المحاسبة"، محذرًا من أن استمرار هذه الأوضاع قد يؤدي إلى كارثة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.
تحذيرات دولية: استمرار الإغلاق ينذر بمجاعة وكوارث إنسانية
حذرت الأمم المتحدة ومنظمات دولية من خطورة استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات، مؤكدة أن ذلك سيؤدي إلى كارثة إنسانية حقيقية، مع نفاد المخزون الغذائي وفقدان السكان لأي مصدر رزق.
كما أكدت تقارير إغاثية أن كثيرًا من المؤسسات الإنسانية العاملة في غزة ستتوقف عن تقديم خدماتها قريبًا بسبب نقص الإمدادات، مما يزيد من سوء الأوضاع.
غزة بين نار الحصار وعبء الاستغلال
في ظل هذا المشهد القاتم، يجد سكان غزة أنفسهم محاصرين بين سياسات الاحتلال القمعية التي تحرمهم من أبسط حقوقهم في الغذاء والدواء، وجشع بعض التجار الذين يستغلون أزمتهم لمراكمة الثروات.
ويبقى السؤال: إلى متى ستظل غزة رهينة الحصار والجوع؟، ومتى سيتحرك المجتمع الدولي لإنهاء هذه المأساة الإنسانية التي تتفاقم يومًا بعد يوم؟